رحيل الملائكة
"رحيل نازك الملائكة"
بقلم: سعد الركابي
رحيل الملائكة ...
في عام 64 توفي السياب غريبا معدما بائسا محروما حتى من ان يكون هناك قلب يرف له ...
وبين ذلك التاريخ واليوم عبرنا مسافات طويلة من الزمان لايبدو انها غيرت فينا شيئا نحو التطور ابدا ..
اكثر من اربعين عاما مضت منذ ان غادر السياب الى مثواه الاخير ..
اربعون عاما امتلات بالحوادث التي لا تعدلها سوى اربعين الف سنة ...
ما بين السياب والملائكة كان هناك تناغما امتد لتتداخل فيه العاطفة بالابداع فانتجا لنا بواكير الشعر الحر في العالم العربي
الذي حطته ايديهما كطير غريب جميل..بين هاذين العملاقين الذين شربا من ماء الفراتين كانت هناك اكثر من رابطة ...
وبين الرحيلين كان هناك كم هائل من الاوجاع ..اوجاع الاغتراب التي اذاق طعمها السياب
وشربت كاسها المرة الملائكة سقت العشرات من المبدعين العراقيين سواءا كانت تلك الغربة في اصقاع الارض
او على ارصفة الوطن . قبل اعوام قليلة كانت اجراس الوداع التي قرعت لتوديع الجواهري
تذكرنا بان الغربة المهولة لا تريد الا ان تستبد بوجودنا وتستولي عليه وتستلقي في اركانه وزواياه
كما لوكانت احداقا ميتة لكائن ممسوخ تطارد اللعنة كل مايقع عليه ذاك الناظر البشع ..
كصمتها الذي عهدناه في الاعوام الاخيرة من عمرها
فقد رحلت الملائكة وشيعت الى مثواها الاخير في القاهرة
التي اختيرت كمنفى ابدي لجسدها ...
عاشت وماتت غريبة كذلك كما فعل السياب وكثير من المبدعين الذين قذفتهم اصابع الغابة البشرية خارج جدران الوطن
ليتحولوا من رمز للابداع الى رموز للالم العصي على الترجمة لانه ينبثق من تراكم مهول
يدق ركائزه عميقا في ثنايا النفس العراقية .
الرحيل الاخير للملائكة والذي ختم رحلة العذاب والاغتراب لمبدعة حملت اسم الوطن
بين صفحات الدفاتر وعلى رؤوس الاقلام جاء هذه المرة ونحن نحاول ان نلملم اذيال الجرح الغائر
الذي خلفته تلك الاربعين عاما من الضياع والاغتراب والوانهما ورسم لنا الصورة الحقيقية لحجم الخسارة
التي مني بها جمهرة المثقفين بسقوط هذا الكوكب.
الملائكة التي اكتسبت لقبها كما يقال من كونها تنتمي الى عائلة هادئة مهذبة اطلق عليها الجيران والمنطقة
هذا اللقب اصبحت منذ بداياتها قديسة شعرية تجيد استعمال الفاظها التي لا تنتمي الى عوالمنا السفلية باي حال من الاحوال ..
هذا الدفق الشعري الذي توائم مع كلاسيكية المجتمع انساب بوداعة النصف الاول من القرن الماضي
مستفيدا من تلافيف القلق والرغبة في التطور التي كانت الهاجس الاول للابداع الشعري بلباسه الجديد
وماكان له ان ينتصر الا لانه حمل معه الحقيقة والبساطة والصدقية.
ومنذ قصيدة الكوليرا التي كانت غرسها الاول في حديقة الابداع الحداثوي استمر العطاء الخصب اعواما طوال
غير مبال بتقلبات الاحوال والاوضاع .
الحزن الذي لبسنا اثوابه السود منذ اربعين يوما كان جلالا رثا يوفر علينا مؤونة الدمع وتمظهراته
ولم يكلفنا رحيل نازك شيئا ابدا
فقد ووريت الثرى في القاهرة بعد ان شيعت بتواضع غريب
لايليق بمكانتها ابدا.
واختفى نطق اسمها من على شاشات الفضائيات التي مرت على ذكرها باستحياء
فيما تمجد نكرات لاوزن لهم في الحياة ابدا .
*******
منقول